کد مطلب:109988 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:172

نامه 031-به حضرت مجتبی











ومن وصیّته له علیه السلام

للحسن بن علی علیهما السلام، كتبها إلیه "بحاضرین"

عند انصرافه من صفّین

مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ، لِلدُّنْیَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَی، الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً، إِلَی الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لاَ یُدْرَكُ، السَّالِكِ سَبِیلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الْأََسْقَامِ رَهِینَةِ الْأَیَّامِ، وَرَمِیَّةِ الْمَصَائِبِ، وَعَبْدِ الدُّنْیَا، وَتَاجِرِ الْغُرُور,ِ وَغَرِیمِ الْمَنَایَا، وَأَسِیرِ الْمَوْتِ، وَحَلِیفِ الْهُمُومِ،قَرِینِ الْأَحْزَانِ، وَنُصْبِ الْآفَاتِ، وَصَرِیعِ الشَّهَوَاتِ، وَخَلِیفَةِ الْأَمْوَاتِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِیَما تَبَیَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْیَا عَنِّی، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَیَّ، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَیَّ، مَا یَزَعُنِی عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَایَ، وَالْإِهْتَِمامِ بِمَا وَرَائِی، غَیْرَ أَنِّی حَیْثُ تَفَرَّدَ بِی دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِی، فَصَدَفَنِی رَأْیِی، وَصَرَفَنِی عَنْ هَوَایَ، وَصَرَّحَ لِی مَحْضُ أَمْرِی، فَأَفْضَی بِی إِلَی جِدٍّ لاَ یَكُونُ فِیهِ لَعِبٌ، وَصِدْق لا َ یَشُوبُهُ كَذِبٌ. وَوَجَدْتُكَ بَعْضِی، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّی، حَتَّی كَأَنَّ شَیْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِی، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِی، فَعَنَانِی مِنْ أَمْرِكَ مَا یَعْنِینی مِنْ أَمْرِ نَفْسِی، فَكَتَبْتُ إِلیْكَ كِتَابِی هَذا، مُسْتظْهِراً بِهِ إِنْ أَنا بَقِیتُ لَكَ أَوْ فَنِیتُ. فَإِنِّی أُوصِیكَ بِتَقْوَی اللهِ ـ أَیْ بُنیَّ ـ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالْإِعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَأَیُّ سَبَب أَوْثقُ مِنْ سَبَب بَیْنكَ وَبَیْنَ اللهِ عَزّوَجَلَّ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ! أَحْیِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْیَقِینِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْیَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّیَالِی وَالْأَیَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَیْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِینَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِینَ، وَسِرْ فِی دِیَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُرفیْمَا ف َعَلُواعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَیْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأََحِبَّةِ، وَحَلُّوا دِیَار َالْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِیلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ. فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْیَاكَ، وَدَعِ الْقَوْلَ فِیَما لاَ تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِیَما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِیقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَیْرَةِ الضَّلاَلِ خَیْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ، وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِیَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَایِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِی اللهِ حَقَّ جَهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِی اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلحَقِّ حَیْثُ كَانَ، وَتَفَقَّهُ فِی الدِّینِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَّبْرَ عَلَی الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُفی الْحَقِّ! وَأَلْجِیءْ نَفْسَكَ فِی أُمُوركَِ كُلِّهَا إِلَی إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَی كَهْفٍ حَرِیز، وَمَانِعٍ عَزِیزٍ، وَأَخْلِصْ فِی الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِیَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الْاِسْتِخَارَةَ )، وَتَفَهَّمْ وَصِیَّتِی، وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً، فَإِنَّ خَیْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَیْرَ فِی عِلْمٍ لاَ یَنْفَعُ، وَلاَ یُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لاَ یَحِقُّ تَعَلُّمُهُ. أَیْ بُنَیَّ، إِنِّی لَمَّا رَأَیْتُنِی قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَیْتُنِی أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِیَّتِی إِلَیْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ یَعْجَلَ بِی أَجَلِی دُونَ أَنْ أُفْضِیَ إِلَیْكَ بِمَا فِی نَفْسِی، أَوْ أَنْ أَنْقُصَ فِی رَأْیِی كَمَا نُقِصْتُ فِی جسْمِی، أَوْ یَسْبِقَنِی إِلَیْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَی وَفِتَنِ الدُّنْیَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ. وَ إنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالَْأَرْضِ الْخَالِیَةِ مَا ألْقِیَ فِیهَا مِنْ شَیءٍ قَبِلَتْهُ. فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ یَقْسُو قَلْبُكَ، وَیَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْیِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْیَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِیتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِیتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِیهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَیْنَا مِنْهُ. أَیْ بُنَیَّ، إِنِّی وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِی، فَقَدْ نَظَرْتُ فِی أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِی أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِی آثَارِهِمْ، حَتَّی عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّی بِمَا انْتَهَی إِلَیَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَی آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِیلَتَهُ، تَوَخَّیْتُ لَكَ جَمِیلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ، وَرَأَیْتُ حَیْثُ عَنَانِی مِنْ أَمْرِكَ مَا یَعْنِی الْوَالِدَ الشَّفِیقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَیْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ یَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ مُقْتَبَلُ الدَّهْرِ، ذُونِیَّة سَلِیمَة، وَنَفْس صَافِیَة، وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِیمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَج َلَّ وَتَأْوِیلِهِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، لاَ أُجَاوُِز ذلِكَ بَكَ إِلَی غَیْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ یَلْتَبِسَ عَلَیْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِیهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِی الْتَبَسَ عَلَیْهِمْ، فَكَانَ إِحْكَامُ ذلِكَ عَلَی مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِیهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَی أَمْرٍ لاَ آمَنُ عَلَیْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ، وَرَجَوْتُ أَنْ یُوَفِّقَكَ اللهُ فِیهِ لِرُشْدِكَ، وَأَنْ یَهْدِیَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَیْكَ وَصِیَّتِی هذِهِ. وَاعْلَمْ یَا بُنَیَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَیَّ مِنْ وَصِیَّتِی تَقْوَی اللهِ، وَالْإِقْتِصَارُ عَلَی مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَیْكَ، وَالْأََخْذُ بِمَا مَضَی عَلَیْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ یَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ، وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَی الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا، والْإِمْسَاك ِ عَمَّا لَمْ یُكَلَّفُوا، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْیَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ، لاَبِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ، وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ. وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِی ذلِكَ بِالْإِسْتِعَانَةِ بِإِلهِكَ، وَالرَّغْبَةِ إِلَیْهِ فِی تَوْفِیقِكَ، وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَة أَوْلَجَتْكَ فِی شُبْهَة، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَی ضَلاَلَة. فَإنَّ أَیْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ، وَتَمَّ رَأْیُكَ وَاجْتَمَعَ، وَكَانَ هَمُّكَ فِی ذلِكَ هَمّاً وَاحِداً، فَانْظُرْ فِیَما فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ یَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ، وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ ]، وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ، وَلَیْسَ طَالِبُ الدِّینِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَّطَ، والْإِمْسَاكُ عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ. فَتَفَهَّمْ یَا بُنَیَّ وَصِیَّتِی، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الحَیَاةِ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِیتُ، وَأَنَّ الْمُفْنِیَ هُوَ

الْمُعِیدُ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِیَ هُوَ الْمُعَافِی، وَأَنَّ الدُّنْیَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَی مَا جَعَلَهَا اللهُ عَلَیْهِ مِنْ النَّعْمَاءِ، وَالْاِبْتِلاَءِ، وَالْجَزَاءِ فِی الْمَعَادِ، أَوْ مَاشَاءَ مِمَّا لاَ تعْلَمُ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَیْكَ شَیْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَی جَهَالَتِكَ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلاً ثُمَّ عَلِمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأَمْرِ، وَیَتَحَیَّرُ فِیهِ رَأْیُكَ، وَیَضِلُّ فِیهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ! فَاعْتَصِمْ بِالَّذِی خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْیَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَیْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ. وَاعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ یُنْبِیءْ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ _ صَلَّی الله عَلَیْهِ وَآلِهِ_ فَارْضَ بِهِ رَائِداً، وَإِلَی النَّجَاةِ قَائِدَاً، فَإِنِّی لَمْ آلُك نَصِیحَةً. وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِی النَّظَرِ لِنَفْسِكَ ـ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ ـ مَبْلَغَ نَظَرِی لَكَ. وَاعْلَمْ یَا بُنَیَّ، أَنَّهُ لَوْ ك َانَ لِرَبِّكَ شَرِیكٌ لأََتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَیْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتِهِ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لاَ یُضَادُّهُ فِی مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلاَ یَزُولُ أَبَداً وَلَمْ یَزَلْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأََشْیَاءِ بِلاَ أَوَّلِیَّة، وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْیَاءِ بِلاَ نِهَایَةٍ. عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِیَّتُهُ بَإحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ. فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا یَنْبَغِی لِمِثْلِكَ أَنْ یَفْعَلَهُ فِی صِغَرِ خَطَرِهِ، وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ، عَظِیمِ حَاجَتِهِ إِلَی رَبِّهِ، فِی طَلَبِ طَاعَتِهِ، وَالْخَشْیَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ یَأْمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَنٍ، وَلَمْ یَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِیحٍ. یَا بُنَیَّ، إِنِّی قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْیَا وَحَالِهَا، وَزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا، وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الْآخِرَةِ وَمَا اُعِدَّ لِأََهْلِهَا فِیهَا، وَضَرَبْتُ لَكَ فِیهِمَا الْأَمْثَالَ، لِتَعْتَبِرَ بِهَا، وَتَحْذُوَ عَلَیْهَا. إِن َّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرٍ الدُّنْیَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ، نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِیبٌ، فأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِیباً وَجَنَاباً مَرِیعاً، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِیقِ، وَفِرَاقَ الصَّدِیقِ، وَخُشُونَةَ السَّفَرِ، وَجُشُوبَةَ الْمَطْعَمِ، لِیَأتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ، وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ، فَلَیْسَ یَجِدُونَ لِشَیْءٍ مِنْ ذلِكَ أَلَماً، وَلاَ یَرَوْنَ نَفَقَةً مَغْرَماً، وَلاَ شَیْءَ أَحَبُّ إِلَیْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ. وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِیبٍ، فَنَبا بِهِمْ إِلَی مَنْزِلٍ جَدِیب، فَلَیْسَ شَیْءٌ أَكْرَهَ إِلَیْهِمْ وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فیِهِ، إِلَی مَا یَهْجُمُونَ عَلَیْهِ، وَیَصِیرُونَ إِلَیْهِ. یَا بُنَیَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِیزَاناً فِیَما بَیْنَكَ وَبَیْنَ غَیْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَیْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ ت ُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ یُحْسَنَ إِلَیْكَ، وَ اسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَیْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ یُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَة ُالْأَلْبَابِ. فَاسْعَ فِی كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَیْرِكَ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِیتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ أَمَامَكَ طَرِیقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِیدَةٍ، وَمَشَقَّةٍ شَدِیدَةٍ، وَأَنَّهُ لاَ غِنَی بِكَ فِیهِ عَنْ حُسْنِ الْإِرْتِیَادِ، وَقَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ الزَّادِ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَی ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَیَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالاً عَلَیْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ یَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، فَیُوَافِیكَ بِهِ غَداً حَیْثُ تَحْتَاجُ إِلَیْهِ، فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِیَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِیدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَیْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فی حَالِ غِنَاكَ، لِیَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فی یَوْمِ عُسْرَتِكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ أمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً، الْمُخِفُّ فِیهَا أَحْسَنُ حَالاً مِن الْمُثْقِلِ، وَالْمُبْطِیءُ عَلَیْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ، وَأَنَّ مَهْبِطَك بِهَا لاَمَحَالَةََ إِمَّا عَلَی جَنَّة أَوْ عَلَی نَارٍ، فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ، وَوَطِّیءِ الْمنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، فَلَیْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ، وَلاَ إِلَی الدُّنْیَا مُنْصَرَفٌ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِی بِیَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِی الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالْإِِجَابَةِ، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِیُعْطِیَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِیَرْحَمَكَ، وَلَمْ یَجْعَلْ بَیْنَكَ وَبَیْنَهُ مَنْ یَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ یُلْجِئْكَ إِلَی مَنْ یَشْفَعُ لَكَ إِلَیْهِ، وَلَمْ یَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ یُعَاجِلْكَ بَ النِّقْمَةِ، وَلَمْ یُعَیِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ یَفْضَحْكَ حَیْثُ الْفَضِیحَةُ بِكَ أَوْلَی، وَلَمْ یُشدِّدْ عَلَیْكَ فِی قَبُولِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ یُنَاقِشْكَ بِالْجَرِیمَةِ، وَلَمْ یُؤْیِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَیِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ،بَابَ الْاِسْتِعتَابِ؛ فَإِذَا نَادَیْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَیْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ، فَأَفْضَیْتَ إِلَیْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ، وَشَكَوْتَ إِلَیْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَی أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ یَقْدِرُ عَلَی إِعْطَائِهِ غیْرُهُ، مِنْ زِیَادَةِ الْأََعْمَارِ، وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ، وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ. ثُمَّ جَعَلَ فِی یَدَیْكَ مَفاتِیحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِیهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ، فَمَتَی شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ، وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِیبَ رَحْمَتِهِ، فَلاَ یُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِیَّةَ عَلَی قَدْرِ النِّیَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ، لِیَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ. وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّیْءَ فَلاَ تُؤْتاهُ، وَأُوتِیتَ خَیْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِیهِ هَلاَكُ دِینِكَ لَوْ أُوتِیتَهُ، فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِیَما یَبْقَی لَكَ جَمَالُهُ، وَیُنْفَی عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لاَ یَبْقَی لَكَ وَلاَ تَبْقَی لَهُ. وَاعْلَمْ یَا بُنیَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِْآخِرِةِ لاَ لِلدُّنْیَا، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْت لاَ لِلْحَیَاةِ، وَأَنَّكَ فِی قُلْعَةٍ، وَدَارِ بُلْغَةٍ، وَطرِیقٍ إِلَی الْآخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَریدُ الْمَوْتِ الَّذِی، لاَ یَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلاَ یَفُوتُةُ طَالِبُهُ، وَلاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَی حَذرِ أَنْ یُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَی حَال سَیِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَیَحُولَ بَیْنَكَ وَبَیْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ.

ذكر الموت

یَا بُنَیَّ، أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَیْهِ، وَتُفْضِی بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَیْهِ، حَتَّی یَأْتِیَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلاَ یَأْتِیَكَ بَغْتَةً فَیَبْهَرَكَ. وَإِیَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَی مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْیَا إِلَیْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَیْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِیهَا، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِیَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِیَةٌ، یَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضاً،یَأْكُلُ عَزِیزُهَا ذَلِیلَهَا، وَیَقْهَرُ كَبِیرُهَا صَغِیرَهَا، نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ، وَأُخْرَی مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا،رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا، سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ، لَیْسَ لَهَا رَاع یُقیِمُهَا، وَلاَ مُسِیمٌ یُسِیمُهَا، سَلَكَتْ بِهِِمُ الدُّنْیَا طَرِیقَ الْعَمَی، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَی، فَتاهُوا فِی حَیْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِی ن ِعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُواهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا.

الترفق فی الطلب

رُوَیْداً یُسْفِرُ الظَّلاَمُ، كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ، یُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ یَلْحَقَ! وَاعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِیَّتُهُ اللَّیْلَ والنَّهَارَ، فَإِنَّهُ یُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً، وَیَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِیماً وَادِعاً. وَاعْلَمْ یَقِیناً، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِی سَبِیلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِی الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِی الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَی حَرَبٍ، فَلَیْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ. وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِیَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَی الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَیْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً. وَمَا خَیْرُ خَیْرٍ لاَ یُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ، ویُسْرٍ لاَ یُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ ؟! وَإِیَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَایَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ یَكُونَ بَیْنَكَ بَیْنَ اللهِ ذُونِعْمَة فَافْعَلْ، فإِنَّكَ مُدْرِكٌ قِسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ، وَإِنَّ الْیَسِیرَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَ أَكْرَمُ مِنَ الْكَثِیرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ.

وصایا شتّی

وَتَلاَفِیكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَیْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ، وَحِفْظُ مَا فِی الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ، وَحِفْظُ مَا فِی یَدَیْكَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِی یَدَیْ غَیْرِكَ. وَمَرَارَةُ الْیَأْسِ خَیْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَی النَّاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَیْرٌ مِنَ الْغِنَی مَعَ الْفُجُورِ، وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ، وَرُبَّ سَاعٍِ فِیَما یَضُرُّهُ! مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ، قَارِنْ أهْلَ الْخَیْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَایِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ، بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ! وَظُلْمُ الضَّعِیفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ، إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً. رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً، وَرُبَّمَا نَصَحَ غَیْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ. وَإِیَّاكَ وَالْاِتِّكَالَ عَلَی الْمُنَی، فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَی، وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ، وَخَیْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ. بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَیْسَ كُلُّ طَالِبٍ یُصِیبُ، وَلاَ كُلُّ غَائِب یَؤُوبُ، وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ، وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ، وَلِكُلِّ أَمْر عَاقِبَةٌ، سَوْفَ یَأْتیِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ. التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ، وَرُبَّ یَسِیرٍ أَنْمَی مِنْ كَثِیرٍ! لاَ خَیْرَ فِی مُعِینٍ مَهِینٍٍ، وَلاَ فِی صَدِیقٍ ظَنِینٍ، سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ، وَلاَ تُخَاطِرْ بِشَیءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِیَّاك أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِیَّةُ اللَّجَاجِ. احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِیكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَی الصِّلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَی اللَّطَفِ وَالْمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَی الْبَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَی الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَی اللِّینِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَی الْعُذْرِ، حَتَّی كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُونِعْمَة عَلَیْكَ. وَإِیَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَیْرِ أَهْلِهِ، لاَ تَتَّ خِذَنَّ عَدُوَّ صَدِیقِكَ صَدِیقاً فَتُعَادِیَ صَدِیقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِیحَةَ، حَسَنةً كَانَتْ أَمْ قَبِیحَةً، وَتَجَرَّعِ الْغَیْظَ، فَإِنِّی لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَی مِنْهَا عَاقِبَةً، وَلاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً، وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ، فَإِنَّهُ یُوشِكُ أَنْ یَلِینَ لَكَ، وَخُذْ عَلَی عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَی الظَّفَرَیْنِ، وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِیعَةَ أَخِیكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِیَّةً یَرْجِعُ إِلَیْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ یَوْماً مَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَیْراً فَصَدِّقْ ظَّنهُ، وَلاَ تُضِیعَنَّ حَقَّ أَخِیكَ اتِّكَالاً عَلَی مَا بَیْنَكَ وَبَیْنَهُ، فَإِنَّهُ لَیْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه، وَلاَ یكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَی الْخَلْقِ بِكَ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِیمَنْ زَهِدَ فِیكَ، وَلاَ یَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَی عَلَی قَطِیعَتِكَ مِنْكَ عَلَی صِلَتِهِ، وَلاَ تكُونَنَّ عَلَیالْإِسَاءَةِ أَقْوَی مِنْكَ عَلَی الْإِحْسَانِ. وَلاَ یَكْبُرَنَّ عَلَیْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ یَسْعَی فِی مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِك َ، وَلَیْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ. وَاعْلَمْ یَا بُنَیَّ، أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ یَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ، مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَی! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْیَاكَ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَی مَا تَفَلَّتَ مِنْ یَدَیْكَ، فَاجْزَعْ عَلَی كُلِّ مَا لَمْ یَصِلْ إِلَیْكَ. اسْتَدِلَّ عَلَی مَا لَمْ یَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ، وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِی إِیلاَمِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ یَتَّعِظُ بِالْآدَبِ، وَالْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ. اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْیَقِینِ، مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ، وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ، وَالصَّدِیقُ مَنْ صَدَقَ غَیْبُهُ، وَالْهَوَی شَرِیكُ الْعَمَی، رُبَّ بَعِیدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِیبٍ، وَقَرِیبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِیدٍ، وَالْغَر ِیبُ مَنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ حَبِیبٌ، مَنْ تَعَدَّی الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَی قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَی لَهُ، وَأوْثَقُ سَبَب أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَیْنَكَ وَبَیْنَ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ لَمْ یُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ، قَدْ یَكُونُ الْیَأْسُ إِدْرَاكاً، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً، لَیْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ، وَلاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِیرُ قَصْدَهُ،أَصَابَ الْأَعْمَی رُشْدَهُ. أَخِّرِ الشَّرَّ، فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ، وَقَطِیعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ، مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ، لَیْسَ كُلُّ مَنْ رَمَی أَصَابَ، إِذَا تَغَیَّرَ السُّلْطَانُ تَغَیَّرَ الزَّمَانُ. سَلْ عَنِ الرَّفِیقِ قَبْلَ الطَّرِیقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ. إِیَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلاَمِ مَا یَكُونُ مُضْحِكاً، وَإِنْ حَكَیْتَ ذلِكَس عَنْ غَیْرِكَ.

الرأی فی المرأة

وَإِیَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَیَهُنَّ إِلَی أَفْنٍ، وَعَزْمَهُنَّ إِلَی وَهْنٍ. وَاكْفُفْ عَلَیْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِیَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَی عَلَیْهِنَّ، وَلَیْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مَنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَیُوثَقُ بِهِ عَلَیْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ یَعْرِفْنَ غَیْرَكَ فَافْعَلْ. وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَیْحَانَةٌ، وَلَیْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ. وَلاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَلاَ تُطْمِعْهَا أَنْ تَشْفَعَ لِغَیْرِهَا. وَإِیَّاكَ وَالتَّغایُرَ فِی غَیْرِ مَوْضِعِ غَیْرَةٍ، فَإِنَّ ذلِكَ یَدْعُوالصَّحِیحَةَ إِلَی السَّقَمِ، وَالْبَرِیئَةَ إِلَی الرِّیَبِ. وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَی أَلاَّ یَتَوَاكَلُوا فِی خِدْمَتِكَ. وَأَكْرِمْ عَشِیرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِی بِهِ تَطِیرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِی إِلَیْهِ تَصِیرُ، وَیَدُكَ الَّتی بِهَا تَصُول ُ.

دعاء

أسْتَوْدِعِ اللهَ دِینَكَ وَدُنْیَاكَ، وَأسْأَلُهُ خَیْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِی الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَالدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ، وَالْسَّلامُ.